جميل راتب.. دخل الفن متمردا ونافس المليجي في أدوار الشر .. أسرار مثيرة عن حياة الفنان الراحل
جميل راتب.. نجم استثنائى بدأ رحلته الفنية على خشبة مسرح التليفزيون الفرنسى، حيث عمل مع مخرجين عالميين وأسماء كبيرة فى المسرح الفرنسى، وقام ببطولة الكثير من روائع وليم شكسبير، المفارقة هنا أن «راتب» سافر عقب تخرجه فى مدرسة الحقوق الفرنسية إلى باريس من أجل استكمال دراسته بالسياسة والحقوق، لكنه لم يداوم على دراسته سوى يوم واحد، فقد شغف حبًا بالفن لينضم إلى صفوف الطلاب بأحد المعاهد التمثيلية هناك، وتخلى عن حلم عائلته الأرستقراطية بأن يلتحق بالسلك الدبلوماسى، وعمل ممثلًا، وحينما علمت أسرته بذلك قطعت عنه المصروف.
قرار عائلته بقطع المصروف عنه، لم يمنعه عن قراره وواصل حلمه بأن يصبح فنانًا مشهورًا، واضطر إلى العمل كى ينفق على نفسه حيث عمل فى مهن عديدة من بينها كومبارس فى السينما، مترجم، ووصل به الأمر حتى عمل جرسونا فى أحد المقاهى بالليل وشيالا فى سوق الخضار بالنهار، واستمرت سنوات نشاطه فى المسرح الفرنسى لنحو 30 عاما، حتى عاد إلى مصر فكانت السينما المصرية فى انتظاره لكى يكون بديلًا لأسماء كبيرة فى ذلك الوقت، فقد تميز فى أدوار الشر مثل الفنان الراحل محمود المليجي، وساعدته فى ذلك ملامحه وشخصيته القوية.
على الرغم من كونه فنانا موهوبا فإنه لم يحصل على البطولة المطلقة إلا فى فيلم واحد عرض عام 1958، هو «أنا الشرق» للمخرج عبد الحميد زكى، وشاركه فى البطولة الفنان جورج أبيض، توفيق الدقن وسعد أردش، وتناول قصة مجموعة من المغامرين الأجانب الذين جاءوا للتنقيب عن الذهب فى الصحراء الغربية، وفى عام 1979 أعطته سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة البطولة المطلقة أمامها فى فيلم «ولا عزاء للسيدات» فدوره لم يقل أهمية عن دور الفنان عزت العلايلى.
بينما يعد فيلم «الصعود إلى الهاوية» نقطة فارقة فى مشواره مع السينما المصرية، مع المخرج كمال الشيخ والسيناريست صالح مرسى، حيث يعد الفيلم من أفضل ما قدم عن عالم الجاسوسية، وبرز نجم الفنان جميل راتب والذى لعب دور ضابط الموساد (أدمون) وصنفه النقاد بأنه من بين أفضل الأدوار التى تناولت شخصية ضابط الموساد بلا تكليف أو مبالغة، وربما جاء ترشيحه لهذا الدور بعد النجاح الكبير الذى حققه فى فيلم «الكداب» مع المخرج صلاح أبو سيف، الذى حصل جائزة «أحسن فيلم» من المركز الكاثوليكى عام 1976، وبلغت إيراداته حينها نحو 30 ألفًا، خلال 10 أسابيع عرضه.
وبعد هذا الفيلم انهالت الأدوار على الفنان جميل راتب، حيث شارك فى العديد من الأفلام من بينها: «امرأة فى دمى» مع الفنانة سهير رمزى، «حكاية وراء كل باب» مع الفنانة فاتن حمامة، «خلف أسوار الجامعة» مع الفنانة شويكار وغيرها من الأعمال السينمائية، وربما لم تختلف علاقته بالدراما التليفزيونية كثيرًا عن علاقته بالسينما والمسرح، فقد نجح أيضًا فى وضع اسمه على الخريطة الدرامية، وشارك فى العديد من الأعمال المميزة بداية من «الأصابع الرهيبة» عام 1978، مع كمال الشناوى ومحمود المليجى، «أحلام الفتى الطائر» مع عادل إمام، «الرجل الذى فقد ذاكرته مرتين» مع الفنان أحمد زكى، «الكعبة المشرفة» بطولة شكرى سرحان، مقدمًا دور (إبليس) «رحلة المليون» مع محمد صبحى، «الراية البيضاء»، «ضمير أبلة حكمت» مع فاتن حمامة.
ولعل من أبرز ما قدم فى الدراما التليفزيونية ولايزال عالقًا فى أذهان المشاهدين هو مسلسل «يوميات ونيس» بأجزائه الخمسة، الذى انطلق عرضه فى التسعينيات، وقدم خلاله دور الأب (أبو الفضل) والذى ابتعد خلالها عن الشر تماما مجسدًا دور الأب الصديق للفنان محمد صبحى، وبجانب هذه التجربة الثرية شارك فى العديد من الأعمال بجانب تصوير هذا المسلسل، من بينها «زيزينيا»، «وجه القمر»، فيلم «جمال عبد الناصر» مجسدًا دور (محمد نجيب) وفيلم «طيور الظلام» مع الزعيم عادل إمام.
استمرت نجومية الفنان جميل راتب حتى التسعينيات واستعانت به السينما التونسية والمغربية، إذا شارك فى العديد من الأفلام ولعب أدوارًا هامة، ومع بداية الألفية الجديدة بدأت مساحة الأدوار التى شارك فيها «راتب» تقل تدريجيًا، نظرًا لكبر سنه وسيطرة الشباب على هذه الفترة، إذا شارك فى فيلم «رحلة حب» مع محمد فؤاد، وبعده «الساحر» مع الراحل محمود عبد العزيز، «تيمور وشفيقة» مع أحمد السقا ومنى زكى، مقدمًا دور رئيس الوزراء، «الأولة فى الغرام» مع الفنان هانى سلامة، «جنينة الأسماك» مع هند صبرى، وكانت آخر مشاركاته فى السينما مع الفنان محمود عبد العزيز، عام 2008، فى فيلم «ليلة البيبى دول».
وفى المقابل كانت مشاركته فى الدراما أكثر من السينما فى أواخر حياته، «فارس بلا جواد»، «الأصدقاء»، «مسألة مبدأ»، «المرسى والبحار»، «عفريت القرش»، «حارة اليهود»، وكان آخر عمل فنى له هو مسلسل «بالحجم العائلى» مع الفنان يحيى الفخرانى، الذى عرض فى رمضان الماضى، وربما أراد أنه يترك به ذكرى لجمهوره قبل رحيله بأربعة أشهر.
فى النهاية جميل راتب هو أسطورة فنية برع فى أدواره وخلق لنفسه منطقة مميزة بعيدًا عن أبناء جيله، فقد كان يردد دائمًا تلك العبارة: «الفنان الحقيقى هو اللى بيخدم الفن مش الفن اللى بيخدمه» وقد نجح بالفعل فى أن يفعل ذلك بأدوار مختلفة ومميزة وصلت إلى 170 عملًا فنيًا.