اخبار الفن

الراحل جلال أمين.. صاحب «رحيق العمر» الذي علمته الحياة الكثير .. أسرار مثيرة عن حياته


توفي اليوم الثلاثاء، الكاتب والمفكر الكبير جلال أمين، عن عمر يناهز 83 عامًا، تاركًا من خلفه إرثًَا علميًا وفكريًا كبيرًا، وصدمة تلقاها تلاميذه وقراؤه ومحبوه، حيث إنه له إسهاماته الفكرية والبحثية البارزة ليس فقط في مجال الدراسات الاقتصادية، تخصصه الأساسي، إنما في مختلف مجالات الثقافة والفكر.

جلال أمين من مواليد القاهرة في 23 يناير 1935، يروي في لقاء أخير له مع الإعلامي محمود سعد، ببرنامج “باب الخلق” (مارس الماضي)، أنه الابن الثامن للأب المفكر أحمد أمين (1886 – 1954)، الذي كان يرفض بشدة مجيئه إلى الدنيا، حتى وصل الأمر بينه ووالدته إلى التهديد بالطلاق لرفضها أن تُسقط جنينها، حتى تركت له المنزل فنجت بصغيرها الذي أتى إلى الدنيا ليُصبح مفكرًا جديدًا ويحمل لواء الوالد.

تخرج أمين في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1955، حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن 1961-1964، شغل منصب أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس من 1965 – 1974، عمل مستشارًا اقتصاديًا للصندوق الكويتي للتنمية من 1974 – 1978، ثم أستاذا زائرا للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا من 1978- 1979، وأستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة من 1979 وحتى رحيله.

جلال أمين هو عالم اقتصاد وأكاديمي وكاتب مصري، أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات منها: “عولمة القهر – ماذا حدث للثورة المصرية – عصر الجماهير الغفيرة – هجرة العمالة المصرية – محنة الدنيا والدين في مصر – شخصيات لها تاريخ – مصر في مفترق الطرق – الدولة الرخوة في مصر – مصر والمصريون في عهد مبارك”، وغيرها من المؤلفات القيمة.

مهما كانت الكذبة كبيرة، فيكفي أن تكررها عددًا من المرات، وبإلحاح وصوت مرتفع، حتى يصدقك عدد كبير من الناس.. جلال أمين

ومن أهم كتاباته “وصف مصر فى نهاية القرن العشرين”، ويقدّم هذا الكتاب تصويرًا بارعًا لما آل إليه المجتمع في نهاية القرن العشرين، في الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام، ويعد كتاب “ماذا حدث للمصريين؟” من أشهر كتبه والذي يشرح التغير الاجتماعي والثقافي في حياة المصريين خلال الفترة من 1945 إلى 1995، أي خلال نصف قرن من الزمان ويعزي هذا التغير الملحوظ إلى ظاهرة الحراك الاجتماعي.

أما في كتابه “قصة الاقتصاد المصري” يتناول مرحلة مهمة من تاريخ مصر الاقتصادي، منذ عهد محمد علي بداية القرن التاسع عشر، ومرورًا بأبنائه، ثم ممارسات الاحتلال الإنجليزي، ثم مرحلة الثورة عبر عهد عبد الناصر والسادات، وانتهاء بعهد الرئيس الأسبق مبارك، ومنظور محاولة مصر تحقيق الاستقلال الاقتصادي هي الفكرة الرئيسة في الكتاب.

وبفكر عميق وقلم شديد السلاسة، يحول جلال أمين سيرته الذاتية في كتاب “ماذا علمتني الحياة؟” (2007) إلى أداة سير للمجتمع الذي نشأ فيه، فإذا به يقارن بين ظروف نشأته وظروف نشأة والده، ومن ثم أولاده وأحفاده من الجيل الرابع، ويتساءل: “ماذا كان سيكون شعور أبي لو علم أن واحدًا من أحفاده سيكسب رزقه من الغناء بالإنجليزية، أغاني تروج لصابون أمريكي مشهور في واحدة من القنوات العربية؟”.

وفي الكتاب، يُرجع ملاحظاته الخاصة إلى ظواهرها وأصولها العامة، فيربط الخاص بالعام، ويتحول الفرد إلى مرآة عاكسة لمجتمعه، ويتحول كتاب سيرته الذاتية إلى كتاب يتناول حياة أجيال بكاملها، ويتناول تحوله الفكري العميق والهادئ من القومية في بواكير شبابه إلى الاشتراكية إلى المادية الوضعية إلى أن وصل إلى مرحلته الأخيرة في نظرته الإيجابية والمتعاطفة مع الدين عمومًا والإسلام خصوصًا.

يجب أن تكون لدينا الشجاعة للتمييز بين الدين والتدين.. جلال أمين

تحوله إلى التعاطف مع الدين أخرجه من صف اليساريين، ولم يضعه أيضًا في خانة الإسلاميين، وجاء بعد أن عاش في الغرب ولاحظ الخواء الروحي الموجود مما جعله يشكك بجدوى مفهوم التقدم، ويتوسع أيضًا بشكل أكبر في هذا المفهوم في كتابه الآخر المهم “خرافة التقدم والتأخر” الصادر عن دار الشروق عام 2006.

أما “رحيق العمر” (2010) فمن الممكن اعتباره الجزء الثاني من “ماذا علمتني الحياة؟”، فهو استكمال له، وهو أيضًا سيرة ذاتية، إنه يسير موازيًا للكتاب الأول، فهو مثله يبدأ من واقعة الميلاد، بل وقبل الميلاد، وينتهي إلى اللحظة الراهنة، لكنه لا يكرر ما سبق قوله، وكأننا بصدد شخصين يصفان حياة واحدة، ولكن ما استرعى انتباه أحدهما، واعتبره يستحق الذكر، غير ما استرعى انتباه الآخر.

يقول في صدر الكتاب: “من المدهش حقًّا مدى غنى حياة كل منا بالأحداث التي تستحق أن تروى، والشخصيات الجديرة بالوصف، أما عن الصراحة، فقد استلهمت في هذا الكتاب ذوقي الخاص، كما فعلت في سابقه، ولا شك أنه، في هذا الكتاب أيضًا، سوف يرى بعض القراء صراحة أكثر من اللازم، والبعض الآخر صراحة أقل من اللازم”.

إن الاﻋﺗﻘﺎد اﻟدﯾﻧﻲ ﻻ ﯾﺣول اﻟﻌﺎﻟم إلى ﺟﺎﻫل، ﻛﻣﺎ أن رﻓض اﻟدﯾن ﻻ ﯾﺟﻌل اﻟﺟﺎﻫل ﻋﺎﻟﻣًﺎ.. جلال أمين

ورغم كل الأطروحات والإصدارات التي سيبقى لها صداها، إلا أن جلال أمين قال في مقدمة كتابه “مكتوب على الجبين” (2015): “إننا نقضي حياتنا ونكتب الكتب دون أن نقول إلا جزءًا صغيرًا من الحقيقة، وهذا أحد الدوافع التي تدفعني إلى كتابة هذه الحكايات، من عاش مثلي ثمانين عامًا، لابد أن يكون قد تعرَّف في حياته على عدد كبير من الناس، رجال ونساء، أغنياء وفقراء، من المتعلمين وغير المتعلمين، مصريين وأجانب، إلخ، وعندما أستعيد في ذهني ما رسخ لديَّ من انطباعات عن هذا الشخص أو ذاك، فيمن تعرفت عليهم على مرِّ السنين، يعتريني العجب… وجدت معظم هؤلاء (بل أكاد أقول كلهم) من الألغاز المستعصية على الفهم”.

في 2015، وحول تقييمه للسنوات التي تلت ثورة 25 يناير 2011، قال في حوار لـ”العرب” اللندنية: “إذا حكمنا على هذه الثورة الآن سنحكم عليها بالفشل بلا شك، أما إذا انتظرنا فترة فقد يشهد العالم تغيرات ليست بالضرورة ثورية، لكنها تقود في محصلتها إلى إمكانية الشعور بنجاح الثورة”، وأكد المفكر الراجل أنه متفائل بمستقبل مصر في ظل الجيل الجديد من الشباب.

أنت لست متخلفًا إلا بقدر شعورك بالعار إزاء هؤلاء الذين يسمون أنفسهم “متقدمين”.. جلال أمين

وأرجع أمين، التغييرات السلوكية التي طرأت على أخلاق المصريين خلال الفترة الماضية، إلى البطالة وسوء توزيع الدخل وانتشار الفساد، كما أن آمال وطموحات المصريين ارتفعت بشدة عقب اندلاع ثورة يناير مباشرة، ثم أصابهم إحباط، بعد أن تحطمت أحلامهم الواحد بعد الآخر، وهو ما أرخى بظلاله السلبية على مزاج قطاع من المواطنين، بصورة ساهمت في انتشار الجرائم الغريبة على المجتمع المصري.

وفي رصيد جلال أمين، العديد من الجوائز والتكريمات، ففي 2009، فاز بجائزة سلطان العويس في مجال الدراسات الإنسانية والمستقبلية، في ديسمبر الماضي، فاز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في مجال الدراسات الاقتصادية عن فرع الثقافة، خلال دورتها السادسة.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي من النسخ !!