اخبار الفن

وداعًا هند موسى.. كنتِ الجمال الذي أردتيه – تفاصيل مُحزنة


“دي آخر حاجة من تغطية المهرجان.. مش هدوشك تاني.. أنا سعيدة إني راجعة.. إحنا كمان سعدا إنك راجعة.. أه والله وحشتوني”.. نص رسالتها مساء أمس بعد إرسال آخر تقرير عن مهرجان الجونة السينمائي.

عصر اليوم.. المكالمة الأولى: “عبد الفتاح هند عملت حادثة صعبة.. واللي معاها عايزين يوصلوا لأهلها.. (صمت).. معايا؟.. كلم أستاذ فوزي أكيد هيتصرف”.. بعدها بدقائق المكالمة الثانية: “(بكاء) عبد الفتاح هند ماتت”.

رئيس التحرير طلب مني كتابة بورتريه على وجه السرعة.. اللحظات صعبة.. جميع الزملاء يبكون من حولك وأنت فقط تحاول التماسك رغم هول الصدمة.. صدمة رحيل هند موسى.. لا يزال الفقد ينهش في قلوبنا، كلما تمكنا منه لاح لنا من بعيد يأخذ منا عزيزًا مرة أخرى.

الموت يجيد الانتقاء بالفعل، الموت يعرف كيف يختار ضحاياه، الموقف أكبر من الكلمات، كل عبارات التأبين والنعي والحزن والألم لا معنى لها، لا أعلم ماذا أكتب، هند موسى غادرتنا إلى الأبد.. رغم أنها وعدتني في رسالتها الأخيرة مساء أمس أنها قادمة ومشتاقة كما نشتاق الآن وسنظل.

أول ما تذكرته بعد خبر الرحيل هي الرسالة الأخيرة “سعيدة إني راجعة.. وحشتوني”، تذكرت أيضًا هداياها المستمرة، وانتظاري لهدية جديدة من الجونة، وتذكرة السينما الأخيرة التي أهدتني إياها ولا زالت بحوزتي.. وستظل.

تذكرت حلُمها كأي فتاة بأن تعيش يومًا ما في عزلة بعيدًا عن هوس المدينة الصاخبة وضجيج العالم، وبصحبتها ذلك الشاب التي تنتظر مجيئه، إلا أنها رحلت قبل لقائه، لعل رب رحيم يُعوضها عن ذلك في دارها الجديدة.

حسابات صحفيي مصر عبر الشبكات الاجتماعية، ممن عرفوا هند، ووجدوا فيها الصحبة والونس، يعمها الحزن والألم، وبقدر الساعات الطوال التي قضوها معها كأصدقاء، بقدر نحيبهم على فراقها الآن.

وكصحفي تعود من معظم رؤسائه على طابع معين في الإدارة، إلا أن هند التي زاملتها في التحرير 4 سنوات كاملة، وترأست القسم الذي أعمل به (الفن) بشكل رسمي منذ بداية العام 2018، اختارت دائمًا العمل في صمت ودأب وحب لنا، كانت سهلة كالماء، أذكر كلمة رئيس التحرير لها باستمرار “أمهم مش مديرتهم”، وما زلت أذكر خجلها منه وضحكتها!

صارت هند التي تعمل في “التحرير” منذ عام الجريدة الأول في 2011، بالنسبة لنا جزءًا عزيزًا من الكيان، جزءًا غاليًا وودودًا، مثله مثل العبارة التي زيّنت مقعدها في صالة التحرير: “كُن أنت الجمال الذي تريد أن تراه في العالم حولك”، كانت دائمًا موجودة، دائمًا مبتسمة، ودائمًا تساعدك وترحب بك بلا تصنع.

ما زال مقعد هند (خريجة إعلام القاهرة دفعة 2010) شاغرًا وفي أدراجه زجاجات المياه المعدنية الفارغة، والأجندة التي اعتادت أن تدون بها ملاحظاتها اليومية، وعليه ورق الأذونات والإجازات التي اعتدنا أن نتركه لها حتى تعود وتوقع بوصفها رئيسة القسم.. لا زلنا ننتظرك هند.

هل كانت تعلم هند أنها محفورة في عقول وقلوب زملائها إلى هذه الدرجة؟ من المؤكد أنها كانت تتمنى أن تشهد وتشاهد بنفسها عاصفة الحب التي غمرتها بعد الرحيل، كانت تتمنى أن تقرأ كلمات رثائها التي خرجت من الزملاء في دفقة حب واحدة، وفي صدق بالغ.

صديقتي القديمة، أعرف الآن أنك تعرفت على مشاعرنا تجاهك، واطلعتِ عليها في عالم الغيب، بقدر معرفتي أننا ربما تقابلنا قبل أن نتقابل، وتصادقنا قبل أن نتعرف، وبقدر رجائي أن يكون موتك مزحة ونلتقي قريبًا في مساء شتوي.. سلام لروحك التي سنفتقدها للأبد.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي من النسخ !!