
ضابط ملاكم أنقذ السادات ومات في التصوير.. تعرف علي محطات في حياة «سونة»
«أهلًا.. كل سنة وإحنا كلنا طيبين.. والحب بيشملنا كلنا.. والحقد والكُره بيبعد عننا كُلنا.. يا دنيا عندي أمل.. مواطني هذا البلد الحبيب لازم يكون عندهم أمل.. من غير ثواب وعقاب مش هنقدر نعمل أي حاجة.. الثواب والعقاب الأساس والنور اللي هيُضيء الطريق، والحرارة اللي هتُلهب من لا يُقدم الواجب نحو هذا الوطن».. كلمات للقدير الراحل صلاح ذو الفقار، خلال لقاءِ له ببرنامج «يا تليفزيون يا»، مع فنان الكاريكاتير «رمسيس»، تُعبر عن قيم ثابتة نبتت في كيان شاب تربي في بيتِ عسكري وانبثقت منه نور الفن..
من الطب إلى الشرطة إلى الفن
الضابط والفنان والمنتج صلاح ذو الفقار الجذاب الوسيم خفيف الظّل، مشجع نادي الزمالك، أحد أبرز نجوم الزمن الجميل، وأبرز نجوم السينما المصرية في الستينيات، شقيقاه المخرجين محمود ذو الفقار وعز الدين ذو الفقار، يقول: «إحنا 3 اخوات سابوا مهنتهم الأصلية عشان الفن، محمود كان مهندس وعز كان ضابط جيش في القوات المسلحة، وأنا كنت شرطة، ولكن نصيبنا كده، مع إني كنت بتمنى وأن في الشرطة إني أكون مُدرس فيها عشان أعلم الطلاب ما علمهُ لنا المُعلمين، ولكن بعد ما اتخرجت روحت حتة تانية خالص.. روحت شبين الكوم، وقضيت هناك 7 أشهر».
يُضيف في حوار سابق له ببرنامج «ذكريات وحكايات»، عبر شاشة القناة الثانية الأرضية، لم يُستدل على تاريخه، «والدي كان ضابط وكان مطمعه إني أطلع دكتور زي جدي، كان بيقولي من وأنا عيل يا دكتور صلاح، وأنا كان نفسي أرضي والدي، ولما أخدت التوجيهية مجموعي مادخلنيش طب القاهرة لكن يدخلني طب الإسكندرية، وبالفعل قُبّل ورقي فعلًا في الإسكندرية، وأخويا عز كان يوزباشي في مدفعية الإسكندرية، وكنت خلاص رايح وهعيش معاه، ولكن والدي مرِض مرضه الأخير، ناداني وقالي إنه متنازل عن الدكترة.. أنا كنت داخل الطب عن رضى وكنت بعمل كده وأنا سعيد وموافق من الداخل على إرضائي لوالدي، واخترت البوليس، ولما قررت ده قالي مش هتوسطلك، لكن لما روحت عرفوا إني ابنه والواسطة جات من نفسها».
لاعب الكرة وبطل الملاكمة
يقول إنه كان رياضيًا كبيرًا أثناء فترة دراسته الجامعية، يستكمل: «كنت بلعب في الفريق الأول في كرة القدم، وكنت بطل الجامعة في الملاكمة في وزني، الرياضة كانت واخدة الحيّز الأكبر من حياتي في الكلية، وكان أيامنا في حاجة اسمها (كأس الملك)، بيكون على مستوى الكليات والجامعات، وفي خلال ثلاث سنوات قضيتها في الجامعة أخدنا كأس الملك سنتين، لإننا كنا بندرب تدريب جيد يوميًا بينما طلاب الكليات الأخرى لا يتمتعوا بتلك الميزة».
مُدرس كلية البوليس
تفوق «ذو الفقار» العلمي والرياضي بكلية «البوليس» دفع المسؤولين لتعيين الفنان الشاب مُدرسًا بالكلية بعد تخرجه مباشرةً، وذكر طلابه أنه كان معطاءًا، ويقول عن ذلك: «كنت مرافقًا لهم، إحساسي وصل حينها نحو الطلاب لدرجة الأبوية، رغم إنه لم يكن هناك فرقًا كبيرًا بيننا في السن، كنت حريصًا للغاية عليهم وهو الأمر الذي شعروا به، وهو الشيء الذي أرضاني للغاية في سنوات الأخيرة بكلية الشرطة كمُعلم نظامي».
صلاح وتهريب السادات
الكاتب محمود معروف، يروي في كتابه «روائع النجوم»، واقعة مُثيرة في حياة ملازم أول صلاح ذو الفقار، 1946، يقول إنه «في يناير تعرض أمين عثمان للاغتيال في القاهرة، حينها ألقت السلطات القبض على عدد كبير من المشتبه بهم، كما ندبوا ضباطًا من مديريات الأمن القريبة من العاصمة، وكان من بينهم صلاح، في ذلك التوقيت كانت مهمته حراسة المتهم، حينها، محمد أنور السادات في سيارة الترحيلات، وحكى الأخير له أنه من ضباط القوات المسلحة وتم فصله من الخدمة بسبب اغتيال أمين عثمان وبعض عملاء الإنجليز، ليتعاطف ذو الفقار معه، حيث حاول تهريب السادات عدة مرات، الأولى في سجن مصر العمومي، والثانية في قاعة محكمة باب الخلق للجنايات، وبعد فشله في المرّتين نجح في الثالثة، وذلك في مستشفى مبرة محمد علي الخيرية، وترتب عليه محاكمته عسكريًا، وبعدها تدخل وزير الحربية والداخلية حيدر باشا، وطلبه، ضمن مجموعة من الرياضيين، للالتحاق بفريق الملاكمة بنادي الزمالك، ليخرج من تلك الورطة».
بداية المشوار
«صلاح» دخل الفن عن طريق الصدفة، بدافع من شقيقيه «محمود وعز الدين»، وشارك أمام الراحلة شادية في فيلم «عيون سهرانة»، ولم يكُن حينها استقال من الشرطة، لذا اشترط أن يكون دوره في الفيلم يلي بمركزه كـ«ضابط»، وذلك كممارسة لهواية أحبها مُنذ طفولته، ويقول عن ذلك: «مكنش عندي أدنى فكرة وقتها إني أسيب شغلي وأبقى ممثل، لكن ساعات البني آدم بيرفض فرص كتير جدًا ومكنتش عارف إن مصيري هيكون هو إني أكون فنان»، وبعدها استقال من الشرطة، وتلقى دروسًا في الإلقاء من الفنان عبد الرحيم الزرقاني.
زيجات الصلاح
تزوج «صلاح» 4 مرات، الأولى من السيدة نفيسة بهجت، وأنجب منها ابنًا «المهندس مراد»، وبنتًا «المحامية منى»، ولم يُطلقها إلى أن توفاها الله؛ ثم تزوج من الفنانة زهرة العُلا ولكن زواجهما لم يستمر طويلًا، وبدأت وقائع ذلك باشتراك الثنائي في فيلم «رُد قلبي»، وانطوى السيناريو على وجود قصة حب بينهما، والتي تكللت بالزواج في أحداث الفيلم، فاقترح «ذو الفقار» على «زهرة» أن يتحول التمثيل إلى حقيقة، فقال لها بعد إتمام زواجهما ضمن أحداث الفيلم: «ما تيجي نخليها جد»، وتم الزفاف في نفس العام بحضور فريق عمل الفيلم، وسرعان ما تلاشت قصة الحب سريعًا بينهما، وافترق الزوجان بعد عام واحد من الزواج؛ والزيجة الرابعة كانت من السيدة «بهيجة مقبل»، والتي ظلت زوجته لمدة 18 عاما حتى وفاته.
صلاح والشادية
«سونة، سون سون، ما تيجي بقى.. لسه شوية.. لسه شوية ده إيه؟ كفاية شغل يا حبيبي.. لأ عندي شغل لازم أخلصه.. طيب ما تخلصه بكرة الصبح.. مش ممكن المدير بتاعنا محكِم رأيه لازم أخلصه الليلة دي، وأصل المدير بتاعنا بعيد عنك مدير رزل.. طيب قوم وأنا أكلمهولك.. إلا دي أنا مابحبش الواسطة.. يلا بينا نطلع فوق وخلص الشغل في المصلحة.. وطُظّ في المدير؟.. طُظين كمان».. جُمل بين العاشق صلاح ذو الفقار، والمعشوقة شادية، في رائعة «مراتي مدير عام»، 1966، وجمل أخرى في العديد من الأعمال، لا تُعبر عن عشق مصطنع لإقناع مشاهدين به، بل خرجت صادقة من القلب بين ثنائي يُعد من الأقوى فنيًا على مدار تاريخ السينما المصرية، ثنائي كان يحمل طرفيه لبعضهما الكثير من المشاعر الصادقة التي تحولت إلى زواج.
اللقاء الأول بالشادية في «عيون سهرانة»، وكانت وقتها متزوجة من عماد حمدي، وهو نفس العام الذي شهد انفصالها منه، وظلّت قصة حب «ذو الفقار وشادية» غير معلنة للناس، ثم يلتقي الثنائي مُجددًا في فيلم «أغلى من حياتي» عام 1965، وبعدها تحولت مشاهد الغرام الملتهبة بين بطلي الفيلم إلى حقيقة وتزوجا، وكانت الشادية الزوجة الثالثة في حياة الصلاح، لكن الأولى شعرت مرة أخرى بالحنين للإنجاب، وحملت وكان هذا الحمل هو الثالث لها، ومكثت في البيت قرابة الخمسة أشهر لا تتحرك حتى يثبت حملها، لكن القدر كان قال كلمته، وفقدت الجنين، وأثر هذا بشكل سيء على نفسيتها، وبالتالي على حياتها الزوجية فوقع الطلاق بينهما بعد أقل من عام في أغسطس 1969، ونجحت محاولات الوساطة في إعادة الزوجين مرة أخرى بالشهر التالي، ولكن بعدها تم الطلاق النهائي بينهما في منتصف العام 1973.
«شادية» اعتبرت «صلاح» أفضل أزواجها، وقالت إنها طلبت الطلاق منه حتى يعود لزوجته أم أولاده، حيث أن أطفاله في حاجة إليه أكثر منها، وأثمر زواج الثنائي عددًا من الأفلام التي لها وزنها في تاريخ السينما المصرية، مثل أفلام «كرامة زوجتي» 1967، و «عفريت مراتي» 1968، وجميعها من إخراج فطين عبد الوهاب، كما أنتج «صلاح» لـ«شادية» فيلم «شيء من الخوف»، من إخراج حسين كمال، أحد روائع السينما المصرية على مدى تاريخها.
صلاح المنتج
ردًا على سؤال «ليه بتنتج وبتمثل؟»، والذي طرحته عليه «شادية»، في برنامج «ليالي الشرق»، قال: «أنا بدأت إنتاج وأنا ممثل صُغير لسه مش معروف، أنا بحب أصل على كل حاجة بنفسي، ماحبش حد يكون له فضل عليّا، أنتجت عشان كل حاجة بطمح فيها أقدر أحققها لنفسي»، فردت «شادية»: «ما أنا مؤخرًا مثّلت رواية من إنتاجك وأنت ماشاركتش فيها؟»، فرد: «أنا مقتنع إن فيّا فضائل المُنتج، بحسّ إيه المفروض يتعمل، بالإضافة إلى إني مُنظم، وبالتالي أرى أني من الممكن أن أُقدم أعمال أقرب إلى النجاح.. وأنا عملتلك الرواية لأنها عجبتني وحسيت إني مليش دور، أنا قولت من أول ما قرأت الرواية إني لا يُمكن أكون البطل».
صلاح والكلاب
«شادية» خلال «ليالي الشرق» أيضًا، الحوار الذي كان يشُّع حبًا من الاثنين، حيث كانا مازالا زوجين، طرحت عليه سؤالًا: «أنت ليه بتخاف من الكلاب مع إنك كنت رجل بوليس؟ لما بنبقى ماشيين في الشارع بندارى في بعض لما بنشوف كلب»، فرد: «وإيه دخل البوليس في الخوف من الكلاب؟ وبعدين ما أنتي كمان بتخافي وبتتداري فيّا؟ عمومًا الموضوع ده عندي عُقدة قديمة بسبب إن بنت اختي كان عضها كلب وأنا وقتها كنت طفل وشوفت البنت وهي بتاخد الحقنة في بطنها».
عيوبه
أثناء الحوار بينهما، سألها «صلاح»: «ممكن أعرف إيه عيوبي»، فردت شادية: «أول عيب إنك رغاي أوي، وخصوصًا في التليفون، أنت طبيعتك رغاي ودي معروفة، والعيب التاني إن لما نكون بنلبس المفروض تستناني أنت مش أنا اللي استناك، لكن كل مرة نكون بنلبس أروح الأسانسير الأول وأفضل أقوله يلا يلا، لازم يرتب البيت كله قبل ما ينزل، العيب التالت وده الخطير جدًا إنك بتغني كتير جدًا»، فرد: «مش لاقي حد في الدنيا يتحمل غُنايا غيرك، وده حقي الشرعي».
علي ويكا
انطلاقة «صلاح» الحقيقية من خلال فيلم «رُد قلبي»، أمام الفنانة مريم فخر الدين، والفنان شكري سرحان، عام 1957، وهو من أهم أعماله، ويقول عن ذلك: «عملت في الفيلم ده دور محمود، وليّا أخ اسمه علي، وفي مشهد في الفيلم محمود بينجح فبينادي على أخوه يقوله (نجحت يا علي يا ويكا)، ودي كلمة المرحوم يوسف السباعي.. فضلت 10 سنين يتقالي في الشارع (علي يا ويكا) مع إني كان اسمي محمود».
فيلموجرافيا
العديد من الأفلام قدّمها «صلاح» للسينما المصرية، بعضها من العلامات الفارقة في تاريخها، ومنها «الرجل الثاني، مراتي مدير عام، الرباط المقدس، لقمة العيش، أنا وبناتي، والحب كده»، وقدّم عددًا من المسلسلات التليفزيونية منها «بلا خطيئة، رحلة عذاب، عودة الروح»، بالإضافة إلى عدد من الأعمال المسرحية منها «روبابيكيا، زوجة واحدة لا تكفي»، كما عمل وكيلًا لنقابة الممثلين عام 1986.
وفاة مُثيرة
لقى «ذو الفقار» نهايته داخل بلاتوه التصوير، أثناء تصوير المشهد الأخير من فيلم «الإرهابي» حيث أُصيب بأزمة قلبية مفاجئة أدت لوفاته في الثاني والعشرين من ديسمبر عام 1993.